تحقّق مرّةً ممّا تشكّ فيه، و عشراً ممّا لا تشكّ فيه

مقتطف من مقالة للبروفيسور: بوب ساتون

عندما كنت و زميلي البروفيسور "جيف بفيفر" نعدّ كتابنا "حقائق مثبتة" حول الإدارة المستندة على الوقائع العملية كتبنا رسالةً إلى البروفيسور "جيمس مارش" أحد أبرز رموز الفكر التنظيمي في هذا العصر نسأله فيها عمّا يراه أفكاراً اختراقية قيّمة في الإدارة و كانت إجابته هي:
"إن معظم ادعاءات الأصالة و السبق إنما هي مؤشرات على الجهل و ضيق الاطلاع، و إن معظم المزاعم حول الحلول السحرية الخارقة إنّما هي تعبير مموّه عن غرور الزاعمين بما لديهم"

لسوء الحظ، يعيش العالم في حقبةٍ تتوالى فيها البراهين و الأمثلة على مقولة الأستاذ "مارش". و نرى بين الحين و الآخر كيف تُزاح هالات الإعجاب و الإعجاز عن معبودات العبقرية المتوهجة فإذا هي مقولات و ممارساتٌ عادية لا قدسية لها – بل و لا قيمة معتبرةً أحياناً- و لو ذهبت تسأل ملايين الناس الذين ضاعت مدخراتهم بين يدي "بيرني مادوف" لأخبروك بالكثير عن حصاد الإعجاب بكلّ برّاق.

المناقشة المجدية هي التي تسمعك ما يقنعك لا ما يحلو لديك:
و مع استمتاعي بقراءة كتاب "جيم كولينز" بعنوان " من الحسن إلى الرائع Good to Great " بسبب صياغته الآسرة
و قصصه الرائعة، فإنّني لم أستطع إلاّ أن أتوقّف عند وقوعه في ظاهرة النفخ و المبالغة في قيمة و صدقيّة مزاعمه و استنتاجاته.
و الدراسة المتناولة لإحدى عشرة شركة من عينةٍ تضم نحو ألفٍ و خمسمئة لا يمكن أن تكون إلاّ حافلةً بأخطاء منهجية، و لا يمكن الركون إلى إجاباتها على كثير من الأسئلة.

و أثار انزعاجي أيضاً الأسلوب الخفيف أو السطحيّ في التحليل و الاستنتاج. فبمجرّد أن تحدّد طواقم البحث لدى المؤلف الشركات الناجحة نجاحاً عادياً و الشركات العظيمة فإنّهم يمضون إلى عقد اللقاءات و الحديث معهم عن الاختلافات بين شركاتهم و الشركات الأخرى. إن العمل بهذه الطريقة يشبه محاورة لاعبي الفريق الفائز ببطولة كرة القدم – و المراسلين الرياضيين- بعد فوزهم بالبطولة و مقارنة إجاباتهم بإجابات الفريق الفائز بالمرتبة الرابعة. ما المشكلة في هذا؟ المشكلة هي أنّ:
الأبحاث المعتبرة التي أجراها البروفيسور "باري ستاو" في "بيركلي" تبيّن أن الفائزين و الخاسرين يقدّمون استرجاعاتٍ للأحداث شديدة التباين لتوضيح ما حدث و تفسيره، بغض النظر عن الوقائع الحقيقية. على وجه الخصوص، يذكر الفائزون تمتّعهم بقيادة أفضل، و أنّهم كانوا أكثر مثابرة، و تركيزاً، و تماسكاً. و يشاهد هذا حتّى لو كان الحديث عن تجارب لا يوجد فيها أي اختلافات حقيقية بين الفرق، و إنّما يُستدرج الجميع إلى تصوّر أنفسهم بصورةٍ معينة نتيجة تدخل طرفٍ يبدو عليه أنّه شخصية معتبرة.

بناءً على ما سبق أقول: إنني لا أعرف من سيفوز ببطولة كرة القدم هذه السنة، و لكنني أستطيع التنبّؤ بما سيقوله الفائزون مثلما تستطيعون أنتم أعزائي القرّاء. و بناءً على ما سبق نذكّركم:

يزكّي الإنسان و يثق ثقةً قويةً بما يعرف عنه كلّ شيء و كذلك يفعل بما لا يكاد يعرف عنه أيّ شيء

شكــــــــرآ أخوي ع الموضوع(^_^)....